القاهرة فى 19 فبراير/شباط 2015
تجدد المنظمة العربية لحقوق الإنسان إدانتها لمواصلة نظام “عمر البشير” الديكتاتوري في السودان احتجاز عدد من رموز المعارضة السياسية والمجتمع المدني، يتقدمهم الأستاذ “فاروق أبو عيسى” والدكتور “أمين مكي مدني” منذ 6 ديسمبر/كانون أول 2014.
وترى المنظمة أن قرار السلطات الصادر الإثنين الماضي بإحالتهما إلى المحكمة المختصة بـ”الإرهاب” -بجلسات ستبدأ يوم الإثنين المقبل- يشكل تصعيداً خطيراً من جانب النظام الديكتاتوري بحق الناقدين للسياسات والفظاعات التي مارسها النظام في البلاد طوال الأعوام الخمسة وعشرين الماضية، والتي قادت إلى تقسيم البلاد، وإشعال فتيل حروب أهلية متعددة في شتى أنحاء البلاد.
وتواصل السلطات القمعية في السودان اعتقال المئات من سجناء الرأي من المعارضين، بما في ذلك قيادات حزبية وطلاب الجامعات، في إطار حرب يشنها النظام الديكتاتوري لإسكات الأصوات المخالفة، والتي تواصلت مؤخراً لمصادرة عشرة صحف سودانية إدارياً.
وتواصل السلطات السودانية ارتكاب الفظاعات بحق المعارضين وسكان مناطق النزاع المسلح المتعددة في البلاد، فرغم اتفاق التسوية الهش للصراع في إقليم دارفور غربي البلاد، أدت السياسات الديكتاتورية والانتهاكات المنهجية إلى زعزعة الاتفاق وتقويض إمكانيات معالجة الأوضاع المأساوية في الإقليم التي تشمل استمرار أكثر من 2.5 مليون نازح في الإقليم وداخل السودان، وقرابة ربع مليون لاجئ عبر الحدود مع تشاد، واستمرت الانتهاكات بحق النساء بصفة خاصة في الإقليم، وقيدت السلطات صلاحية بعثة الأمم المتحدة في دارفور “يوناميد” للتحقيق في حالات الاغتصاب الجماعي للنساء.
ومن المعروف أن الرئيس “عمر البشير” لا يزال ملاحقاً قضائياً ومطلوباً توقيفه وأقطاب نظامه الديكتاتوري أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان والكثير منها يقع ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، كما أضافت تهم ارتكاب “الإبادة الجماعية” في الإقليم إلى قائمة الاتهامات.
ومن ناحية أخرى، يتواصل النزاع بين السودان ودولة جنوب السودان بشأن العديد من المناطق الحدودية المتنازع عليها، ضمن معارك متقطعة على المناطق الغنية بالنفط والموارد الاقتصادية.
كما يواصل النظام الديكتاتوري في البلاد ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في منطقتي جنوب كردفان وجبال النوبة اللتين تشهدان تمرداً أهلياً مسلحاً.
كذلك، تتواصل فظاعات قوة الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن الوطني والاستخبارات السودانية بحق المواطنين المعارضين، وهي ميليشيا من عناصر غير نظامية شكلها النظام القمعي من العناصر شديدة الخطورة والإجرام، والتي يُنسب إليها ارتكاب العديد من الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك عمليات القتل العمدي والتعذيب.
وكان النظام قد قمع الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها البلاد في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين أول 2013، ولم تتردد قوات النظام الديكتاتوري في استخدام الرصاص الحي في مواجهة التظاهرات العفوية السلمية التي شهدتها العاصمة وبعض المناطق، ودون اتباع لآليات الفض المتدرجة على نحو أدى لمقتل قرابة المائتين، بينهم قرابة 130 شخصاً نتيجة الإصابة القاتلة في الجزء الأعلى من الجسد.
ويرزح المدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي مؤسسات المجتمع المدني المستقلة للسجن أو الاضطرار للفرار إلى خارج البلاد فراراً من أشكال الاضطهاد والقمع المتزايدة التي يمارسها نظام الرئيس “عمر البشير”.
كما بلغ عدد اللاجئين السودانيين خارج البلاد قرابة سبعة ملايين، يقع أغلبهم في سن الشباب دون الأربعين عاماً، ويمثل 85 بالمائة منهم ثروة البلاد البشرية من أصحاب المؤهلات الجامعية وحملة الماجيستير والدكتوراة وأصحاب التخصصات التقنية والتطبيقية الذين فروا خارج البلاد خلال ربع القرن الأخير.
يُذكر أن النظام الديكتاتوري قد قاد البلاد إلى هوة اقتصادية سحيقة نتيجة استفحال سياساته القمعية التي ولدت العديد من بؤر النزاع الأهلية في البلاد، جنباً إلى جنب مع استحواذ قيادات النظام القمعي على ثروة البلاد واستنزاف مواردها الاقتصادية المتاحة وإهدار الأصول العامة للثروة، وهو وضع ما لبث أن كشف الغطاء عن النظام فور انفصال الجنوب الذي أدى لتراجع العائدات المرتبطة بتصدير النفط المستغل في الجنوب.
وبينما تعاني البلاد من تراجع حاد في مواردها المالية، فقد تضاعفت حجم استثمارات الواجهات التابعة لقيادات النظام في الخارج لأكثر من خمسة مرات خلال السنوات السبع الماضية.
وتُقدر تقارير المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن الوضع في السودان بعد انفصال الجنوب يحتل المرتبة الأكثر تدهوراً في مجالي حقوق الإنسان والتنمية البشرية في كامل المنطقة العربية – بعد الصومال، وذلك نتيجة للامتزاج العميق بين الصراعات الأهلية المتعددة والفساد المالي.
وكان عدد من رموز العمل السياسي والمدني في السودان قد شاركوا في اجتماع بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا للتباحث في آليات إصلاح الأوضاع المتردية في البلاد، وتوصلوا إلى “نداء السودان” الذي شمل المطالب بشأن الإصلاح السياسي والدستوري ومعالجة التشوهات الاقتصادية والإفقار ومكافحة الفساد، والذين جرى استهدافهم لدى عودتهم إلى البلاد، يتقدمهم الأستاذين “فاروق أبو عيسى” و”أمين مكي مدني”.
* * *