القاهرة في 20 أكتوبر/تشرين أول 2015
شهدت مصر على مسار اليومين الماضيين 18 – 19 أكتوبر/تشرين أول 2015 إجراء المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية، والتي ضمت 14 محافظة مصرية، وشكل ضعف الإقبال السمة الرئيسية في انتخابات هذه المرحلة، والتي ستشهد جولة إعادة في غالبية الدوائر الأسبوع المقبل.
تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة باعتبارها المحطة الأخيرة في تفعيل خارطة المستقبل المعلن عنها عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013 وكاستحقاق دستوري مرتقب منذ خريف العام 2014، والتي بموجبها سيتم استكمال بناء النظام السياسي في مصر للمرة الأولى منذ نجاح ثورة يناير 2011، وبالتالي الخروج من سياق مراحل الانتقال التي تزايدت خلالها معاناة المجتمع.
شملت المحافظات التي تجري فيها الانتخابات منطقتي غرب الدلتا ومناطق الصعيد، وهي: الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة، مرسى مطروح.
تنافس في المرحلة الأولى 2548 مرشحاً على 286 مقعداً، بينهم 226 مقعداً بنظام الانتخاب الفردي، و60 مقعداً بنظام القائمة المطلقة، وشكل المستقلون غالبية المرشحين في هذه المرحلة سواء على المقاعد الفردية أو مقاعد القائمة فيما عبر عن تراجع لدور الأحزاب في الحياة السياسية.
وتنافس في المرحلة الأولى 212 مرشحة من النساء، بينهم 112 على المقاعد الفردية، و100 على مقاعد القائمة التي تضم أيضاً حصص مخصصة لفئات أخرى: المسيحيين والشباب والمعاقين والعمال والفلاحين.
أجريت الانتخابات في ظل إشراف قضائي كامل بإشراف اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية التي تتشكل من قضاة بحكم مواقعهم، ويشرف على اللجان الفرعية أحد أعضاء الهيئات القضائية (قرابة 13 ألف لجنة فرعية) في 5460 مركزاً انتخابياً موزعين على 103 لجنة عامة.
وشارك 185 ألف جندي من الجيش في دعم جهود الشرطة لتأمين مجريات العملية الانتخابية على صلة بسياق تحديات الإرهاب والعنف السياسي.
أجريت الانتخابات في ظل رقابة محلية ودولية، شارك فيها 81 منظمة محلية و6 منظمات دولية، بالإضافة إلى 68 سفارة أجنبية في مصر.
شملت قاعدة الناخبين في المرحلة الأولى 27.4 مليون ناخب من بين 55.6 مليون ناخب في عموم البلاد، وجاءت المؤشرات الأولية تبنيء عن ضعف كبير في الإقبال، لا سيما في اليوم الأول 18 أكتوبر/تشرين أول.
وبينما لم توفر اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية المشرفة على الانتخابات بيانات رسمية حول نسبة الإقبال في ختام التصويت، تذهب تقديرات المراقبين إلى أن النسبة لا تتجاوز الـ 20 بالمائة رغم الارتفاع النسبي الذي شهدته في مناطق عدة خلال اليوم الثاني 19 أكتوبر/تشرين أول.
وسجلت الفترة السابقة على التصويت في المرحلة الأولى عدد من الملاحظات، في مقدمتها:
– إجبار المرشحين على تكرار الفحوص الطبية وسداد قيمتها المرتفعة، بما في ذلك من التزموا بتنفيذ هذه الفحوص مطلع العام 2015 قبل أن يتم تأجيل مواعيد الانتخابات إثر بطلان بعض النصوص القانونية الحاكمة للانتخابات بواسطة المحكمة الدستورية العليا، وهو ما دفع قائمة “صحوة مصر” على سبيل المثال للانسحاب بعد رفض طلبها بالإعفاء من رسوم الفحص الطبي ورفض محكمة القضاء الإداري الطعن الذي تقدمت به القائمة.
– الدعاية المبكرة قبل الفترة المسموح بها دون إجراءات مواجهة للمخالفين.
– عدم التحقيق في شكاوى تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي لبعض المرشحين.
– استضافة بعض وسائل الإعلام لبعض المرشحين بصفاتهم خبراء في التخصصات المختلفة.
وخلال يومي التصويت، سجلت المصادر الميدانية للمنظمة وعدد من المنظمات المشاركة في متابعة الانتخابات ملاحظات متنوعة، وفي مقدمتها:
- التأخر في بدء عمل العشرات من اللجان في مناطق عدة، وخاصة في محافظة المنيا شمالي الصعيد نظراً للغيابات والاعتذارات المفاجئة للقضاة المشرفين، ما حدا باللجنة العليا لضم البعض منها إلى لجان أخرى
- استمرار مظاهر الدعاية الانتخابية في محيط العديد من اللجان الانتخابية
- رصد وقائع للتأثير على الناخبين في بعض المناطق والحالات، مثل قيام بعض المرشحين بنقل الناخبين إلى مقار اللجان في 3 وقائع، واستخدام أنصار بعض المرشحين لوسائل الاتصال لإرشاد الناخبين للجانهم
- إدلاء مسئولي الحكم المحلي ببيانات للإعلام عن مجريات الانتخابات
- أشارت بعض تقارير المنظمات المتابعة لوقائع جرى فيها استخدام المال السياسي لشراء أصوات في بعض الدوائر في عدة محافظات
وبينما لم تشكل هذه الملاحظات على أهميتها تأثيراً ذا شأن على اتجاهات التصويت، فإن ضعف الإقبال والمشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات يبقى السمة الأبرز في هذه الانتخابات، وهو ما يتصل بعديد من العوامل التي تضافرت، وفي مقدمتها:
- غياب المبادرات الرسمية للتفاعل مع الأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية وإجراء حوارات فاعلة معها حول سبل معالجة التحديات السياسية المتنوعة
- تراجع قدرة الأحزاب السياسية على المساهمة في صناعة المشهد السياسي العام أو التأثير في اتجاهات الرأي العام، واشنغالها بالحسابات الذاتية، ما عمق فجوة الثقة بينها وبين الناخبين، سيما بعد تجربة الفترتين الأولى والثانية من المرحلة الانتقالية
- قلة وضعف البرامج الانتخابية الهادفة لتلبية الاستحقاقات الاجتماعية في ظل استمرار المعاناة الاقتصادية
- استمرار ظاهرة الأداء الإعلامي السلبي، وخاصة من قبل وسائل الإعلام الخاصة والتي سعت لفرض رؤية أحادية على المجتمع، جنباً إلى جنب مع التشكيك وكيل الاتهامات للمؤسسات الحزبية والمدنية، مستفيدة من حيز الفراغ الذي لم تشغله الدولة وعزوف السلطات عن تحديد موقفها من الجدل الإعلامي حول القضايا المثارة
- تضييق المجال العام من خلال القيود التي يفرضها قانون التظاهر على حريات التجمع والاجتماع
- تعقيدات النظام الانتخابي المتبع، وصعوبة الاختيار بين المرشحين المختلفين
- ضيق الفترة المتاحة للعملية الانتخابية والدعاية والتعارف بين الناخبين والمرشحين
- شيوع القناعة بعدم جدوى الانتخابات باعتبار أن البرلمان القادم أياً كان تشكيله لن يؤثر بالضرورة على التوجهات العامة للسلطة التنفيذية في ظل إيلاء الاهتمام للتحديات الأمنية ومواجهة الإرهاب
وكانت المنظمة وبعض جماعات حقوق الإنسان قد نبهت منذ منتصف العام الماضي إلى أن القانون الذي تجري على أساسه الانتخابات لا يرتقي للوفاء بالاستحقاق الدستوري وتعزيز المشاركة الشعبية والتمثيل النيابي. وقدمت المنظمة في هذا السياق مشروع قانون بديل أعدته بالتعاون مع مركز الدراسات البرلمانية (مصر)، ورغم أنه كان موضع نقاش رسمي، لكن لم يتم تبنيه دون أسباب واضحة.
كذلك شاركت المنظمة مع العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمراكز الأكاديمية في حوارات متصلة حول تطوير العملية الانتخابية وسبل تعزيز المشاركة السياسية، غير أن التوصيات الصادرة عنها لم يتم الاستجابة لها.
ورغم أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة ببطلان بعض مواد قانون الانتخابات وقانون تقسيم الدوائر قد تناولت بعض العيوب التي رصدتها مؤسسات المجتمع المدني المعنية، إلا أن الحوار الرسمي الذي بادر إليه مجلس الوزراء مع الأحزاب السياسية وعدد محدود من مؤسسات المجتمع المدني قد افتقد لآليات الحوار المنتج لاستثمار التأجيل الطارئ للانتخابات.
* * *